الاثنين، نوفمبر 05، 2012

إبليس وسلاح الأمل




كم خطر على قلب كل يهودي ونصراني حُب الإسلام فلا يزال لإبليس يثبطه ويقول : لا تعجل وتمهل في النظر , فيُسَوِّفُه حتى يموت على كُفره , وكذلك يُسَوِّف العاصي بالتوبة فيجعل له غرضه من الشهوات ويُمَنِّيه الإنابه , ولربما عزم الفقيه على إعادة درسه فقال : إسترح ساعة , أو إنتبه العابد في الليل يصلي فقال له : عليك وقت , ولا يزال يحبب الكسل ويُسَوِّف العمل ويُسْنِدُ الأمر لطول الأمل .
فينبغي للحازم أن يعمل على الحزم , والحزم تدارك الوقت وترك التسويف والإعراض عن الأمل , فإن المُخَوّف لا يؤمن والفوات لا يبعث , وسبب كل تقصير في خير , أو ميلٍ إلى شر طول الأمل , فإن الإنسان لا يزال يحدث نفسه بالنزوع عن الشر والإقبال على الخير , إلا أنه يعد نفسه بذلك , ولا ريب أنه مَن أمَّلَ أن يمشي بالنهار سار سيراً فانرا , ومن أمَّل  أن يصبح عمِل في الليل عملاً ضعيفاً , ومن صوَّر الموت عاجلاً جَدّ , وقد قال صلى الله عليه وسلم
: صلّ صلاة مودع .
وقال بعضُ السَّلَف : أنذركم (سوف) فإنها أكبر جنود إبليس !!
ومثل العامل على الحزم والساكن لطول الأمل كمثل قومٍ في سفر فدخلوا قريةً فمضى الحازم فإشترى ما يصلح لتمام سفره وجلس متأهباً للرحيل , وقال المفرِّطُ : سأتَهَّب فربما أقمنا شهراً , فضرب بوق الرحيل في الحال فإغتبط المُحْتَرِز , وإعتبط الآسفُ المُفَرّط .
فهذا مثل الناس في الدنيا منهم المستعد المستيقض , فإذا جاء ملَكُ الموت لم يندم , ومنهم المغرور المُسَوِّف يتجرع مرير الندم وقت الرحله , فإذا كان في الطبع حُبُّ التَّواني وطول الأمل , ثم جاء إبليس يحث على العمل بمقتضى ما في الطبع , صعُبَتْ المجاهدة , إلا أنه من إنتبه لنفسه , عَلِمَ أنه في صف حرب وأن عدوه لا يفتر عنه , فإن فتر في الظاهر أبطن له مكيدةً وأقام له كمينا .
ونحن نسأل الله تعالى السلامة من كيد العدو وفتن الشيطان وشر النفوس والدنيا إنه قريب مجيب .. جعلنا الله وإياكم من أولئك المؤمنين ..


من كتاب ( تلبيس إبليس)
للإمام إبن الجوزي رحمه الله

ليست هناك تعليقات: