الأحد، نوفمبر 18، 2012

أريد أن أخشع في صلاتي



لكلِّ آدميٍّ قلبٌ وعقل , والفرقُ في كيفية تطويع هذه الهِبات الإلهية خلال الحياة , وإذا كُنَّا سنتحدث عن المسلمين فإن مسؤليتهم أكبر من غيرهم من الديانات والمعتقدات , إذ أنه يتوجب عليهم - إلى جانب عبادة ربهم - أن يدعوا إلى توحيد الله وأن يكونوا قدوة لغيرهم من الأمم , لأنهم , كما قال الله تعالى : (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ..) ونحسبُ كلَّ مسلمٍ على الله أن يكون عابداً له بدرجة أو بأخرى , حيث تتفاوت القلوب وتختلف النيَّات والأعمال , قال عليه الصلاة والسلام : (إنما الأعمال بالنيات .. الحديث) , وقد جاء في موضوع سابق ذكر لذلك (ما هي نيتك وأنت تقرأ القرآن) وبقدر خلوص نيتك لله يتسلط عليك إبليس (أعاذنا الله وإياكم منه) ويحاولُ أن يصرفُ قلبك عن معنى عبادتك فيوسوس لك بأمور الدنيا وخاصة المهمة في حياتك , حتى يُلَبِّس عليك ويُذهب (بعضاً) من عبادتك , أو يفسدها كليَّةً , ولكن ذوي القلوب والعقول الأقوى تجاهده وتستحضر عظمة من تقف أمامه وتعبده ..

أريدُ أن أخشع في صلاتي , وأبعِدُ الشيطان بإستحضار عظمة من أصلي له وأعبُد , إنه جهاد عظيم أن تجاهد على جبهتين في ذات الوقت (نفسك وإبليس) , والنفس كما أخبر عنها الحق تبارك وتعالى , أمارة بالسوء إلا من رحم ربي , نستصعب أمر الخشوع , ولكنه بالإصرار والحضور الذهني أيسر مما نتصور , فمن خلال تجربتي رأيت أن أورد بعض النقاط التي علينا أن نتبعها حتى نزيد من (معنى صلاتنا) , وعلينا أن لا ننسى أن إبليس يأخذ أي أمر بالخيرمن طرفيه , أي أنه إما أن يزين لك الغلو فيه أو التهاون والتقصير فيه , فلننتبه لهذا عند مجاهدتنا له , أعاذنا الله وإياكم منه .. وأرجو الله أن يكون فيها العون والأجر لي ولكم ..

1) عند دخول وقت الصلاة سيحاول إبليس أن يذكرك بها ! ولكنه يوحي لك بأن الوقت فيه متسع فلا تطعه وبادر , يحاول أن يؤخر قيامك للوضوء , ثم ينبهك للنية وربما المبالغة في إسباغ الوضوء حتى يصرفك عما معنى ما تفعل , خالفه وإتبع سنة نبيك , ومنطق عقلك , فخير الأمور الوسط , لا تفريط ولا إفراط , وتذكر ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بمُدٍّ من الماء وهو أقل من لتر , وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تسرف ولو كنت على نهرٍ جار) , فلا مجال لإطاعة مشورة إبليس في هذا الأمر وكل أمر .. ولا تنسى الأدعية المأثورة قبل وبعد الوضوء (اللهم إجعلني من التوابين وإجعلني من المتطهرين وإتكل على الله وإستعن به فهو خير معين ..
2) عند ذهابك للصلاة سيقول لك بأنه ليس ضروريا أن تكون أول الواصلين للمسجد , هو لا يقولها صراحة ولكنه يوحي لك لتظهر مشورته وكأنها صادرة من نفسك , وهنا يأتي دور العقل , فهل تأمرك نفسك بشيء ضد مصلحتك إلا من وحي إبليس ؟! سيواصل ثنيك عن المبادرة إلى المسجد فلا تطعه وتمعَّن بالمصلحة أين تكمن , هل بالمبادرة أم بالتأخير ؟ وأمر آخر أيضا ما المصلحة من عدم المبادره ؟ بالمنطق والعقل المبادرة خير , أكثر من ذكر الله وسبح بحمده وأشغل تفكيرك في ذلك فإنه يؤذي إبليس ويربكه في وسوسته لك , ويزيد من إقبالك على صلاتك ..

3) عندما تؤدي تحية المسجد سيقول لك أنها ليست من الصلاة فعجلها , ثم يشير عليك بأن لا وقت لتقرأ شيء من القرآن , ثم يأتيك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وشمالك ويذكرك بأمور مهمة كأمور بيتك او عملك او علاقتك مع الآخرين أو مشاكلك المختلفة - وهو اساسها وفاعلها - ويبدي لك الحلول والخيارات ..

4) عند إقامة الصلاة يوحي لك بنقد طريقة من يقيم الصلاة والإمام ومن حولك وإضاءة المسجد والتكييف والفرش وكل الموجودات الأخرى , لذلك نُهيَ عن وضع النقوش والديكورات في المساجد , وفي نظري أنها من وحي الشيطان ليضل بها المصلين ويصرفهم عن الخشوع بالتأمل فيها !! وللخروج من هذه الورطة مع إبليس عليك أن تستحضر الموقف الذي أنت فيه , وأن تتمعن في الآيات التي تُتلى وخصوصا آيان الفاتحه (السبع المثاني) فهي توجز ما أردناه في موضوعنا هذا , تمعن في معنى كل آية يقرأها الإمام وإستحضرها , وإعلم أنها قول الله تعالى وتعلق بربك وإستعن به على عدوك , فأنت تقف أمام من بيده ملكوت كل شيء , وفي ذات الوقت هناك من يحسدك لأن تمام عملك يؤدي إلى الجنة , وإبليس طُرد منها بسبب أبيك آدم فهو عدو أبيك وعدوك ..

5) لا تفرط في وقت وقوفك في صلاتك فتفكر بأمر خارجها , بل تدبر ما يُتلى وفي الركوع والسجود اشغل وقتهما بالتسبيح والدعاء , خاصة في السجود فإنت أقرب ما تكون من ربك , ولا تمنح إبليس فرصة بسكوتك بل واصل التدبر والدعاء وكرره إذا لزم الأمر وزاد الوقت , سيذكرك بأمور أخرى ظاهرها الخير ومؤداها باطل , كأن يذكرك بالنافلة بعد الصلاة وكم ستؤدي من واحده وماذا ستقرأ بهن ! وربما اشار عليك بأن تجعلها في البيت حتى يعطي نفسه فرصة لينسيك أداءها فيما بعد , كن صاحب قرار حاسم وأدِّ عبادتك فوراً وأخزه فإنه لا يأمر إلا بشر , قال تعالى عنه : (... إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)..

6) سيأتيك في أذكار ما بعد الصلاة , في كيفيتها وعددها وترتيبها .. إلخ فتَبيَّن أمرك ولا تركَن لما يقول , فالأذكار أذكار لا ترتيب لها بحيث تربك في قولها , وقل ما شئت منها , قل أو كثر , وإعلم أن الإستزادة من الخير خير لك ودحرٌ لإبليس وإغاضة له , وسيذكرك بالخشوع ويشير عليك بصفته من وجهة نظر إبليس ! ويحثك على الإستعاذة منه ذاته !! فلا تصدقه إسعذ بالله منه وإستعن به عليه ..

7) التسويف والأمل هما أهم سلاحين يستخدمهما إبليس ضد إبن آدم , فهو يرى أن ترجيء أي عمل خيّر من صلاة وغيرها , ليعمل على أن تنسى ما نويت عمله ليفقدك فرصة الأجر والمثوبه , فأيهما اكثر فائدة , التنفيذ أم التسويف لما بعد والأمل في التنفيد لاحقاً ؟ العقل والقلب المتدبر يقول (خير البر عاجله) ..

8) إطلب العون من الله على كل أمورك , وإدعه فإنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه (ولكن بصدق) وثقة ويقين بالإجابة فلا تستعجلها .. أكثر من سؤال ربك ان يرزقك (الخشوع التام في الصلاة) , فإن كنت صادقا فثق بأن الله لن يخيب دعاءك ..

اللهم إنا نسألك الخشوع التام في الصلاة والصدق في دعائنا  
جار سهيل  

ليست هناك تعليقات: