الثلاثاء، سبتمبر 11، 2012

حِكَمٌ وعِظات

قصيدة طويلة طنانة تشتمل على مواعظ وحكم فلنأت بها بتمامها للفائدة. وهي لأبو الفتح علي بن محمد البستي، صاحب النظم والنثر ويقال: إنها لأمير المؤمنين الراضي بالله :


زيادة المـرء فـي دنـيـاه نـقـصــان
وربحه غير محض الخير خسران

وكـل وجــدان حــظ لا ثـبـات لــه
 فـإن مـعـنـاه في التحقـيـق فـقـدان

يا عـامـرا لخـراب الدهر مجتهداً
بالله هـل لـخـراب العـمـر عمران

ويا حريصاً على الأمـوال يجمعها
أنـسـيـت أن سرور الـمـال أحزان

زِع الـفـؤاد عـن الـدنيا وزخـرفها
فـصـفـوهـا كـدر والوصل هجران

وأوع سـمـعـك أمـثـالاً أفـصـلـهــا
كـمــا يـفـصـل ياقــوت ومـرجــان

أحـسن إلى الناس تستـعـبـد قلوبهم
فـطـالـمـا استعـبد الإنسان، إحسان

وكن على الدهــر معواناً لذي أمل
يـرجــو نـداك فــإن الحر مـعـوان

مـن جـاد بالـمال مال الناس قاطبة
إلـيـه والـمــال لـلإنـســـان فــتــان

مــن كان للخير مـناعـاً فـلـيـس له
عـنـد الـحـقـيـقـة إخــوان وأخـدان

لاتـخـدشـن بمـطـل وجـه عـارفـة
فـالـبـر يـخـدشـه مـطــل ولـيـــان

يا خـادم الجسم كم تسعى لـخـدمته
أتـطـلـب الـربـح مـمـا فيه خسران

أقـبل على النفس فاستكمل فضائلها
فـأنـت بالـنـفس لا بـالـجـسـم إنسان

مـن يـتـق الله يـحـمـد في عـواقـبــه
ويكفـه شر مـن عـزوا ومـن هـانـوا

حـسب الـفـتى عـقـلـه خـلا يعـاشره
إذا تـحــــامــــاه إخــــوان وخــــلان

 لا تستشر غـيـر نـدب حـازم فـطـن
 قـد اسـتـوى مـنـه إسرار وإعـــلان

 فـلـلـتـدابـيـر فـرســان إذا ركضـوا
أبـروا كــمــا لـلـحــــرب فــرســان

ولــلأمـــور مــواقـــيــت مُـقَـــدَّرة
وكــل أمــــر لـــه حــد ومــيـــزان

من رافـق الرفق في كل الأمور فلم
يـنـدم عـلـيـه ولــم يـذمـمـه إنـســان

ولا تـكن عـجــلاً فـي الأمـر تطـلـبه
 فـلـيـس يـحـمـد قـبل النضج بحـران

وذو الـقـنـاعـة راض فـي مـعـيـشته
وصاحب الحرص ان أثرى فغضبان

كفى من العيش مما قد سد من رمق
فـفـيـه للـحــران حــقــقــت غـنـيـان

هـمـا رضـيـعـا لـبـان حـكـمة وتقى
وساكـنـاً وطـــن مــــال وطـغــيـان

من مد طرفاً بفرط الجهل نحو هوى
أغضى عن الحق يوماً وهو خزيان

من استشار صروف الدهـر قام له
على حـقـيـقـة طـبع الـدهـر برهان

من عاشر الناس لاقى منهم نصباً
لأن طـبـعــــهـم بـغـي وعــــدوان

ومن يفتش على الإخـوان مجـتهـداً
فـجُـل إخــوان هــذا الـدهـر خُـوَّان

مـن يزرع الشر يحصد في عواقبه
نـدامـة ولـحـصــد الـــزرع إبَّـــــان

مـن إستنام إلـى الأشرار نـام وفي
قـمـيـصـه مـنـهـم صِــلٌّ وثُـعْــبـان

مـن سالم الناس يسلم مـن غَـوائِلِهم
وعـاشَ وهـو قـريرَ الـعـيـن جـذلان

مـن كـان للـعـقـل سلطان عليه غـدا
ومــا عـلـى نفسه للحـرص سلطـان

وإن أســاءَ مُـسيءٌ فـلْـيَـكُن لَّكَ في
عُـروضُ زَلَّـتِـهِ صَـفْــحٌ وغُــفْـران

إذا نَــبـا بـكـريــمٍ مَــوطِــنٌ , فَــلَـهُ
رواءه فـي بـسـيـط الأرض أوطـان

لا تـحـسـبَـنَّ سـروراً دائـمـاً أبـــداً
 مــن سَـرَّه زمَـنٌ , سـاءته أزمــان

يـا ظـالـمـاً فـرحــاً بـالـعـز ساعـده
إن كـنـت فـي سنة فـالـدهـر يقظان

يـا أيهـا الـعـالـم الـمـرضي سيرته
أبـشِـرْ فـأنـت بـغـيـر الـمـاء ريَّـان

ويا أخا الجهل لو أصبحت في لجج
فـأنـت مــا بـيـنـهـا لا شـك ظـمــآن

دع الـتـكاسل في الـخـيرات تطلبها
فـلـيـس يسعـد بالـخـيـرات كسـلان

صُن حـرَّ وجهـك لا تهتك غـلالـتـه
شـكـل حـر لـحــر الـوجـه صُــوَّان

لا تحسب الناس طـبعاً واحـداً فلهم
غـرائِـز لـستَ تُـحْـصـيـهـا وألـوان

مــا كــلُّ مـــاءٍ كـصِـــداءٍ لــوارِدِه
نـعـم ولا كـلُّ نَـبْـتٌ فـهـو سـعــدان

مـن إستـعـان بـغـيـر الله فـي طلب
فــإنَّ نــاصـــره عــجـــزٌ وخـذلان

واشـدُدْ يـديـك بـحَـبْـلِ الله معتصماً
فـإنـه الــرُّكْـــنُ إن خانَـتْـكَ أركــان

لا ظل للمرء يغني عن تقى ورضا
وإن أظـــلَّـــتْــه أوراقٌ وأفْـــنــــان

سحبان مـن غـير مـال باقـل حصر
وبـاقـل فـي ثـراء الـمــال سـحـبـان

والـنـاس إخـوان مـن والَـتْـه دولـتـه
وهــم عـلـيـه إذا عـــادتــه أعـــوان

يا رافلاً في الشباب الرحب منتشياً
من كأسه هـل أصاب الرشد نشوان

لا تـغـتَـرِرْ بـشـبـابٍ نـاعـم خـضـل
فـكـم تـقــدم قــبـل الـشـيـب شـبــان

ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم
يـكـن لمـثلك فـي الإسـراف إمـعـان

هـب الشبيبة تـبـدي عـذر صاحبـها
مـا بـال شيبك يـستـهـويـه شيـطـان

كــل الـذنـــوب فـإن الله يـغــفـرها
إن شـيــع الـمــرء إخـلاص وإيمان

وكــل كــسر فـــإن الله يـجــــبـره
ومـا لـكـسر قـنـاة الــديــن جـبران

أحـسـن إذا كـان إمـكـان ومـقــدرة
فـلا يـدوم عـلـى الإنـســان إمـكـان

فـالـروض يزدان بالأنـوار فـاغـمة
والـحــر بالـعـدل والإحسان يزدان

خــذهــا سـرائر أمــثــال مـهـــذبـة
فـيـهــا لـمــن يـبـتـغـي التبيان تبيان

مـا ضـر حسابها والـطـبـع صائغها
إن لـم يـصـغـهـا قريع الشعرحسان


توفي البستي رحمه الله سنة أربعمائة/نقلا عن حياة الحيوان الكبرى

ليست هناك تعليقات: